يرقد هادئاً منذ زمن,وهو يتابع أكاليل النصر والغار,والأوسمة والنياشين,وهى تعلق على صدور القادة,والزعماء وأشباههم,يراهم يختطفون الشرف والمجد,والسيرة والتاريخ,ولكنه لا يهتم,فهو الذى قد ترك دنيا الكذب,إلى دار الصدق والحقيقة!!
هذا هو البطل الحقيقى,لهذه الحرب المجيدة,التى إنتزعت للحق أرضاً,وكسرت للباطل رأساً وجسداً
بطلٌ جَاد بكل ما إمتلك,وغادر الحياة بلا كفن,ولم ينتظر حتى الثمن!!
عاد أبى من الحرب قبل أن أُولد,عاد وظل يحكى لنا الحكاية,حكاية الست سنوات,التى قضاها تحت النار,ظل يحكى ويتذكر,عن الذراع التى رجع زميله بدونها,وعن العين التى لم يتألم رفيقه لفقدها,عن ذكرياته مع من تركوه إلى الجنة,وكم كان معهم للجنة يتمنى,لكنه عاد بعد أن سلم مخلة المهمات,ليحمل بعدها مخلة الذكريات!!
مازال أبى يبكى فى ذلك اليوم من كل عام,يبكى على من ذهبوا وتركوه,ويبكى كذلك على شرفهم الذي سرقوه,فهؤلاء الذين فقدوا أرواحهم,والذين فقدوا أطرافهم,هم الأبطال الحقيقيون,لتلك الملحمة الرائعة,التى صار يتخطفها القادة,منذ ثمانية وثلاثين عاماً,حتى صار النصر شرفاً لكل قائد,يجب أن يحصد ثماره,وواجباً على كل جندى,صار عليه أن يأتى به,أو يموت بدونه,ولكن عفواً لهذا كان أبى يبكى!!
يبكى أبى وأقرانه,من الآباء والأجداد,على الجهد والعرق والدم,والذى بذلوه بلا مقابل,ولم يكونوا ينتظرون مقابلاً,إلا المودة والقربى,والتكريم فى آخر العمر,لعيون ظلت ساهرة تترقب,تحت حر الشمس وبرد الليالى الطويلة,تنتظر يوماً طالما تمنوه,لمعركة الكرامة والعزة,لتحرير الوطن والتراب,ولكن هكذا مرت السنون,ونسيهم الجميع!!
تحية لهؤلاء الأبطال المجهولين,الذين إستشهدوا أو أصيبوا,أو حتى عادوا لأهلهم سالمين,حتى نعيش وندخلها سالمين,لأنهم أبطالها الحقيقيين,الجنود الذين حاربوا,ولم يكونوا يصدرون فقط الأوامر,من قاعات محنة ومكيفة,لكنهم نزلوا بصدور عارية,ليقابلوا العدو المدجج تحت النار,وليجلبوا لنا تاج العزة والفخار!!
عفواً يا إخوانى,بطل العبور الحقيقى,هو الجندى المصرى المجهول,الذى جُند ولم يأخذ شيئاً,وحارب ولم يغنم شيئا,وأصيب أوعاد لأهله ولم يعرف عنه أحدٌ شيئاً!!
القادة والضباط لهم الأوسمة,والنياشين والتكريم ,أما الشهداء فلهم الجنة,خير جزاء من ربهم,لكن المحاربين القدماء المجهولين,مازالوا ينادونا نداء الجحود والنكران,حتى نعلم عنهم شيئاً!!
0 التعليقات